Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب الإيرانية - الإسرائيلية الكبرى

ترمب له ورقتان إحداهما الجلوس مع نظام بات أضعف مما كان عليه والأخرى دعم تل أبيب لمواصلة إضعافه وربما إسقاطه

قراءة المستقبل القريب لهذه الحرب قد يكون شبه مستحيل (أ ف ب)

ملخص

يقع موقف ترمب في أعلى هذا الهرم وسيقرر ويحسم: إما أن يتعاطى مع موقف إيراني يقر فيه بـ"استسلام سياسي" للموقف الأميركي ويطلب حماية ترمب له والضغط على نتنياهو، وإما أن تواصل إسرائيل ضغطها حتى تتمكن من إضرام النار في إيران فيتحول النظام في هذا السيناريو إلى حكومة غير مستقرة بمواجهة معظم المعارضات الداخلية.

بات واضحاً أن المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران ستستمر حتى آخر رمق من ناحية وإلى آخر اتفاق ممكن من ناحية أخرى. وهناك مراقبون يعتبرون أن أي اتفاق بعد الأسبوع المنصرم سيلقى دعماً من الأطراف الدولية لإيقاف العمليات العسكرية، وآخرون وأنا منهم، يرون أنه لا يمكن إصلاح الوضع قبل أن يأتي تغيير كبير في كلا البلدين بشكل عام وربما واقعياً داخل إيران.

وإذ نكتب هذا المقال لا تزال المواجهة قائمة وقد أعلن الإسرائيليون للعالم أنهم ماضون في مواجهتهم البرنامج النووي الإيراني لأيام من القصف على تلك المواقع، وعلى مواقع أركان النظام. ويعتبر البعض أن حرباً كهذه قد لا تنتهي بشكل مفاجئ وسريع إلا بضغط غير عادي من قبل رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب. 

إذاً فهنالك أسئلة كبيرة وعديدة في ما يتعلق بالقرارات التي انتجتها هذه المواجهة. والخطط والأهداف التي وضعتها تلك القيادات. وبشكل غير اعتيادي فإن قراءة المستقبل القريب لهذه الحرب قد يكون شبه مستحيل. أما المستقبل الأبعد فهو رهينة التوازنات الجديدة العسكرية والميدانية وحتى الدبلوماسية التي سوف تخرج من هذه المواجهة. لذا نحاول أن نستشرف تطور هذه الحرب في مختلف سيناريوهاتها. وقد كتبنا في الماضي عن احتمالها الشديد، ولا سيما عن حروب الصواريخ وذلك منذ أكثر من عامين. 

أولاً، في جذور المواجهة

مما لا شك فيه أن المؤرخين والمراقبين والمحللين كانوا قد توافقوا جميعاً على أن مواجهة بين إيران وإسرائيل هي قادمة من دون محال إلا أن التساؤل كان حول توقيتها وقدرة الطرفين على تحقيق نصر بها لسبب بسيط وهو عدم وجود حدود جغرافية بين البلدين وعدم قدرتهما أن يغزو بعضهما البعض لأن ذلك يحتاج لجيوش جرارة ومقدرات عالمية ليست موجودة إلا عند القوى الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، وكان من الواضح أن مواجهة بين الطرفين ترتكز على حرب غير مباشرة، أي عبر المنظمات العسكرية والميليشيات من ناحية وأعمال استخباراتية أو إرهابية أو اغتيالات إلى ما هنالك من مواجهات غير نظامية على الأرض.

كان احتمال نشوب حرب الآن متوقعاً إلى درجة أنه على رغم كل المبادرات والمعاهدات والمناورات وضغط المجتمع الدولي عامة وأميركا بخاصة، فإن المواجهة بين الطرفين كانت قائمة أساساً على جبهات عدة، أولاً الاستخباراتية، إذ كانت هنالك عمليات الاغتيال الإسرائيلية لعلماء البرنامج النووي وهذا قد حصل منذ سنوات عدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل دعمت طهران ميليشيات في المنطقة ومن بينها تلك التي تحيط بإسرائيل جغرافياً وأهمها "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان وإلى حد ما بعض الميليشيات التي كانت متواجدة على الحدود السورية- الإسرائيلية، قبل انسحابها أخيراً، إضافة لميليشيات الحشد في العراق. وهذا يعني أن النموذج الذي نراه اليوم قد بدأ فعلياً منذ أشهر لكن التصعيد الذي وصلت إليه هذه الحرب هو خطر واسع وقد يؤدي إلى مرحلة جديدة في الشرق الأوسط. والطرفان كانا يهيئان لحرب شاملة. 

إيران تهيئ نفسها لحرب كهذه منذ سنوات ونرى في الأسلحة المستعملة الآن تحضيراً ميدانياً وتكنولوجياً ناتجاً من أكثر من عقد كامل من الأبحاث والتطوير، فالطرفان كانا متأكدين من مواجهة كهذه. ويتفق ربما الكثيرون على أن الهدف النهائي ليس بالضرورة السيناريو الذي سوف يحصل فعلاً في الواقع نتيجة للتبادل الصاروخي الحالي مع إسرائيل، ولم يكن هدف الضربة الأولى التي وجهتها إسرائيل إلى إيران "إسقاط النظام من الجو" بما معناه أنها أي هذه الضربة الأولى دمرت بعض وليس كل مكوناته.

هدف إيران

إن إسرائيل لن تتوقف عن هجماتها قبل أن يكون هنالك تغيير في طهران، فإن الاستراتيجية المركزية الأساسية لإيران في مواجهتها هي القصف الثقيل على المناطق السكنية وهي تتركز على بعض المدن وليست واسعة جداً مما يسهل لطهران استهدافها، والضغط على الأهالي أو المدنيين بشكل عام في إسرائيل للتعبير عن انزعاجهم وخوفهم وقلقهم للضغط على الحكومة الإسرائيلية، وربما أكثر من ذلك الضغط على الإدارة الأميركية والكونغرس الأميركي لإيقاف المواجهة وهو لب اللعبة الحالية في إيران.

يبقى موقف إدارة الرئيس ترمب، فمن ناحية يقوم نتنياهو بشن الهجمات على الأهداف الإيرانية فيضغط على طهران لكي تختار واحداً من اثنين؛ إما التصعيد ضد إسرائيل ومن ثم تصعيد مقابل من تل أبيب، أو الهرب إلى طاولة المفاوضات مع ترمب. وبالتالي فإن الرئيس الأميركي له ورقتان، ورقة الجلوس مع نظام بات أضعف مما كان عليه ليحصل على الكثير منه، ومن ناحية ثانية ورقة الدعم لإسرائيل لتستمر في ضرباتها لإضعاف النظام أكثر، ولا أحد بإمكانه أن يعرف في أي لحظة تختار إيران مفاوضات الاستسلام لترمب، فإذا قامت بذلك تعتقد القيادة الإيرانية بأنها حصلت على حماية أميركية لكن إسرائيل أصبحت بعيدة في عملياتها ولها تأثير كبير في الرأي العام المؤيد لترمب مما يجعلنا نعتقد أن من دون تنازل شبه نهائي للقيادة الإيرانية لمصلحة ترمب فلن تتوقف هذه الحرب.

لكن إلى أين ستذهب إسرائيل في ضرب النظام من الجو، فليس لديها القدرة على أن تحتل جزءاً من إيران أو تسير الأمور على الأرض. المعارضة الداخلية هي متنوعة منها من هو قادر ومنها من يحتاج إلى دعم ومنها ما هو غير قادر إطلاقاً. إلا أن قدرة إسرائيل هي في إضعاف النظام ولا سيما الحرس الثوري والباسيج من كل النواحي حتى يتحول النظام إلى ما هو عليه "حزب الله" في لبنان.

وبالتالي عندما تصل الأمور إلى هذا المدى إن وصلت، فإن النظام الإيراني سيرتكز على حلفائه الذين يرسلون إليه الأسلحة المتقدمة والمتطورة من صواريخ باليستية وغيرها. إذاً بالتالي هنالك مثلث بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. ويقع موقف ترمب في أعلى هذا الهرم وسيقرر ويحسم: إما أن يتعاطى مع موقف إيراني يقر فيه بـ"استسلام سياسي" للموقف الأميركي ويطلب حماية ترمب له والضغط على نتنياهو، وإما أن تواصل إسرائيل ضغطها حتى تتمكن من إضرام النار في إيران فيتحول النظام في هذا السيناريو إلى حكومة غير مستقرة بمواجهة معظم المعارضات الداخلية. 

الرئيس ترمب من جهته مستعد للسيناريوهين إما أن يقبل استسلام المرشد أو أن يعطي الضوء الأخضر لنتنياهو ويعززه بقوة أميركا الكبرى على الصعيد العسكري والأمني والإلكتروني والدبلوماسي، لكن الأهم الآن بعد أن قرر الرئيس ترمب أن يدخل الولايات المتحدة في المواجهة إلى جانب إسرائيل هو معرفة الخطوات التي سوف تتخذها الإدارة على صعيد ساحة المواجهة، فهل ستكتفي بتقديم دعم لوجيستي وعسكري لإسرائيل أم أنها ستتدخل مباشرة بنفسها، فالفارق بين السيناريوهات مهم جداً لإسرائيل. 

الخلاصة العامة ونحن ما زلنا في منتصف هذه الحرب تتمحور حول أسئلة سوف تحدد طول أمدها، فهل تتمكن إسرائيل من إضعاف النظام إلى حد استرجاع ترمب للمفاوضات في الربع ساعة الأخير، وهل تستطيع تل أبيب إقناع المعارضة الإيرانية بأن تبدأ بانتفاضة خلال مواجهتها للقيادة، وهل سيتدخل ترمب لمساعدة إسرائيل وربما بتنسيق مع المعارضة؟ كل هذه الأسئلة سوف تحدد آلية تطور الأحداث خلال الأسابيع المقبلة.

المزيد من آراء