ملخص
مع كون تفاوت مستوى التمثيل ليس جديداً على القمم العربية، فإن غياب القادة الخليجيين عن قمة تعقد في بغداد المجاورة لهم، وفي هذا التوقيت بالذات يثير تساؤلات عدة من قبل المراقبين حول دلالاته السياسية وسياقاته الإقليمية
في العاصمة العراقية بغداد المدينة التي كثيراً ما شهدت تحديات سياسية وأمنية تحيط بالإقليم وأزمات تتدافع على طاولة الزعماء، انعقدت القمة العربية الـ34 بمشاركة تمثيلية متفاوتة بين القادة والزعماء بدا من بينها الغياب الخليجي لافتاً إذ غاب قادة السعودية والكويت والإمارات والبحرين وسلطنة عمان، فيما حضر أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مسجلاً حضوراً وحيداً على مستوى قادة دول مجلس التعاون الخليجي.
ومع كون تفاوت مستوى التمثيل ليس جديداً على القمم العربية، فإن غياب القادة الخليجيين عن قمة تعقد في بغداد المجاورة لهم، وفي هذا التوقيت بالذات يثير تساؤلات عدة من قبل المراقبين حول دلالاته السياسية وسياقاته الإقليمية، في ظل توترات مستجدة على أكثر من محور بدءاً من ملف الحدود البحرية مع الكويت وليس انتهاء بملف الجماعات المسلحة داخل العراق، وارتهان العراق للمقاربة الإيرانية على حساب الجوار العربي.
مؤشرات غير معلنة
لم تعلن الدول الخليجية عن أسباب رسمية لغيابها على مستوى القادة، إلا أن مؤشرات عدة تظهر أن العلاقات بين بعض العواصم الخليجية وبغداد تمر بمرحلة من الترقب والتحفظ لا سيما في ضوء تطورات ملف خور عبدالله، الذي أثار خلافاً قانونياً وسياسياً بين العراق والكويت عقب قرار المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء الاتفاقية المنظمة للملاحة في الممر البحري المشترك، مما عدته الكويت تنصلاً من التزامات دولية. وبينما سعت بغداد إلى احتواء الموقف وتأكيد تمسكها بعلاقاتها مع الكويت، لم تثمر المحاولات عن خطوات عملية تعيد بناء الثقة مما انعكس على الحضور الكويتي.
وجدد مجلس التعاون الخليجي في اجتماع استثنائي عقده، أخيراً في الكويت، دعمه الكامل لسيادة الكويت على كامل أراضيها ومياهها الإقليمية، مؤكداً ضرورة احترام اتفاقات الحدود الثنائية والدولية، لا سيما ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بينها وبين العراق، داعياً إلى مواصلة أعمال اللجنة الفنية المشتركة لضمان استكمال الترسيم وفق الأطر القانونية الدولية. كما شدد المجلس على رفضه القاطع لأي ادعاءات تمس السيادة الكويتية أو حقوقها في المنطقة البحرية المتاخمة، وفي حقل الدرة تحديداً، الذي أكد البيان أنه يقع بكامله ضمن المياه الإقليمية لدولة الكويت والمنطقة المحاذية المشتركة مع السعودية، نافياً وجود أي حقوق لطرف ثالث في المنطقة، في إشارة إلى إيران.
ما قصة خور عبدالله؟
يقع خور عبدالله الممر البحري الذي يفصل شبه جزيرة الفاو العراقية عن جزيرة بوبيان الكويتية، والذي تحول منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى واحد من أكثر الملفات الحدودية حساسية وتعقيداً بين البلدين الجارين.ففي أعقاب حرب الخليج الثانية أقر مجلس الأمن الدولي جملة من القرارات لتنظيم الوضع الحدودي كان أبرزها القرار رقم 833 لعام 1993، الذي تبنى نتائج لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت، بما في ذلك إعادة ترسيم السيادة المشتركة على خور عبدالله، واعتباره منطقة ملاحية يجب تنظيمها باتفاق ثنائي ملزم.
اعترفت العراق رسمياً بهذه الحدود عبر قرارات حكومية صدرت عامي 1991 و1994، لتترسخ بذلك شرعية الترسيم الدولي على المستويين المحلي والدولي. وعلى هذا الأساس وقع البلدان عام 2012 اتفاقية لتنظيم الملاحة في الخور صدق عليها البرلمان العراقي في العام التالي، بوصفها ترتيباً فنياً لا يمس بالسيادة ويهدف إلى تأمين حرية الحركة البحرية، لا سيما في اتجاه ميناء أم قصر.غير أن هذا التفاهم لم يصمد طويلاً أمام التقلبات السياسية الداخلية في العراق، إذ قررت المحكمة الاتحادية العليا لاحقاً إلغاء الاتفاقية وهو ما أعاد الملف إلى الواجهة وأثار ردود فعل كويتية رسمية متحفظة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
النفوذ الإيراني في العراق
إلى جانب الخلاف الكويتي – العراقي يظل النفوذ الإيراني في المشهد العراقي نقطة قلق رئيسة لبعض الدول الخليجية، التي لا تزال تنظر بعين الحذر إلى الدور الذي تلعبه الفصائل المسلحة في الداخل العراقي، ومدى تأثيرها في استقلال القرار السياسي والأمني في بغداد.ويرجح أن هذا العامل لعب دوراً في رسم مواقف بعض العواصم الخليجية تجاه المشاركة الرفيعة في القمة، خصوصاً في ظل تزايد الاستهدافات التي طاولت مصالح غربية في العراق خلال الأشهر الماضية، من دون مواقف حاسمة من الحكومة العراقية تجاه الجهات المنفذة.
قمة التحديات
علق المحلل السياسي العراقي بهاء خليل على الغياب اللافت لقادة الدول العربية عن قمة بغداد، في حسابه على "اكس" قائلاً إن رؤساء وملوك كل من السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين، سلطنة عمان، الأردن، سوريا، لبنان، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، السودان، جيبوتي، وجزر القمر، تغيبوا عن حضور القمة "لأسباب لم تعد خافية على أحد"، بحسب تعبيره.وأشار الكاتب إلى أن "التهديدات التي تطلقها الميليشيات المدعومة من إيران، والمهيمنة على المشهد السياسي والأمني في العراق، تبعث برسائل سلبية لا تشجع على الحضور، ولا تعكس أجواء آمنة لاحتضان قمة عربية جامعة".وأكد أن استقرار العراق "سيظل رهيناً بحل جذري لملف الميليشيات، واستعادة هيبة الدولة ومركزية القرار الوطني، بعيداً من الإملاءات الخارجية"، مشيراً إلى أن "أي تقارب عربي مع بغداد سيظل هشاً، ما لم تتم استعادة السيادة الكاملة، قولاً وفعلاً".
على رغم أن جدول أعمال القمة لم يخرج كثيراً عن العناوين التقليدية من القضية الفلسطينية إلى الأوضاع في السودان فإن ما دار خلف الكواليس بدا أكثر أهمية من الكلمات المعلنة، فتمثيل بعض الدول كان بحد ذاته رسالة سياسية وغياب البعض الآخر حمل في طياته دلالات عن فجوات قائمة في العمل العربي المشترك، لا تزال في حاجة إلى ترميم.ومع أن العراق سعى إلى تقديم نفسه في هذه القمة كمركز توازن وانفتاح عربي، فإن غياب القادة الخليجيين بحسب المراقبين أعاد تأكيد أن استعادة الدور العربي لبغداد يمر أولاً عبر إعادة بناء الثقة مع جوارها الخليجي، وتسوية الملفات العالقة بالحوار والمؤسسات لا بالقرارات الأحادية.
ميزان مختل
ورأى المتخصص في مجال العلوم السياسية في جامعة الكويت ظافر محمد العجمي أن "عواصم عربية عدة تنظر إلى بغداد اليوم باعتبارها تدار بميزان مختل لمصلحة طهران، في ظل تنامي نفوذ الميليشيات الموالية لإيران".وأشار العجمي إلى أن أبرز هذه المكونات هي قوات الحشد الشعبي، التي قال إنها "لم تكتف بالحضور الأمني والسياسي، بل تعمدت رفع راياتها وشعاراتها في شوارع العاصمة، على امتداد الطريق الذي سلكه المشاركون في القمة العربية، في تلميح لا تخطئه العين إلى واقع شبيه بـ’دولة داخل الدولة’".ونوه العجمي أن هذه الرسائل البصرية "لا يمكن فصلها عن الانطباع السائد لدى بعض الأنظمة العربية، بأن القرار العراقي لم يعد خالصاً لإرادة الدولة، بل يخضع لمعادلات إقليمية دقيقة".
ظهور فيلق القدس مدروس؟
وعد الصحافي والسياسي العراقي مشعان الجبوري أن "ظهور قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني في بغداد عشية انعقاد القمة العربية لم يكن تفصيلاً عابراً بل ’رسالة مقصودة’ تحمل أبعاداً سياسية دقيقة".وأردف الجبوري أن الرسالة تحتمل وجهين "إما أن طهران أرادت إذلال الحكومة العراقية، لتؤكد أن القرار السيادي ليس في يدها، أو أن خصوم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هم من سربوا الصور عمداً، لإيصال رسالة للعواصم العربية مفادها أن بغداد لا تزال تحت الوصاية، ولا تستحق تمثيلاً رفيع المستوى".