ملخص
تصاعد المواجهات لتطاول منشآت طاقة رئيسة سيكون له آثار جسيمة ليس فقط في إيران وجيرانها، بل أيضاً في المستهلكين في آسيا والأسواق العالمية عموماً.
امتد الصراع بين إسرائيل وإيران أمس السبت ليطاول البنية التحتية للطاقة الإيرانية، مما أثار مخاوف في شأن استقرار إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط.
واتهمت وزارة النفط الإيرانية طائرات إسرائيلية مسيرة بشن هجوم على جزء من حقل "بارس الجنوبي" العملاق للغاز الطبيعي، أحد أكبر الحقول في العالم، إضافة إلى مصفاة تكرير، مما أدى إلى اندلاع حرائق في الموقعين، وفي موجة لاحقة من الهجمات، قصفت إسرائيل مستودع الغاز الرئيس في طهران، وأحد أكبر مصافي النفط في البلاد في منطقتين مختلفتين من العاصمة، وفقاً لوسائل إعلام رسمية إيرانية.
ولم يتضح حتى الآن إلى أي مدى تعتزم إسرائيل المضي في استهداف منشآت الطاقة الإيرانية، وهي مصدر حيوي للعملات الأجنبية لطهران وركيزة رئيسة للطاقة المحلية، وتبدو في الوقت الحالي عرضة للخطر بصورة خاصة.
وقال رئيس وحدة الجغرافيا السياسية في شركة "إنيرجي أسبيكت" البحثية، ريتشارد برونز، لصحيفة "نيويورك تايمز"، "هذا بمثابة طلقة تحذيرية مفادها أن إسرائيل مستعدة لضرب البنية التحتية للطاقة الإيرانية إذا استهدف المدنيون الإسرائيليون".
وأشار محللون إلى أن منشآت إيرانية أخرى لا تزال عرضة للاستهداف.
وقال كبير محللي سوق النفط الخام في شركة "كبلر" (Kpler)، همايون فلكشاهي، خلال ندوة عبر الإنترنت الجمعة، "هناك هدف واضح يمكن أن يكون من السهل ضربه إذا أرادت إسرائيل أو الولايات المتحدة التأثير في صادرات النفط الإيرانية، وهذا الهدف هو جزيرة خرج".
معظم صادرات إيران النفطية تمر عبر ناقلات ترسو في مراسي جزيرة خرج، وهي كتلة مرجانية صغيرة تقع شمال الخليج العربي قبالة الساحل الإيراني، مما يجعلها هدفاً محتملاً في حال تطور النزاع إلى حرب طويلة الأمد، وفقاً للمحللين.
وأضاف فلكشاهي أن إيران تعمل على تطوير محطة تصدير بديلة في ميناء جاسك، وهي مدينة ساحلية تقع خارج مضيق هرمز على خليج عمان، غير أن طاقتها التصديرية لا تزال محدودة على ما يبدو.
ويقول محللون إن نظام الطاقة في إسرائيل بدوره يبدو معرضاً أيضاً للخطر، مما قد يشكل عامل ردع نسبياً في وتيرة الهجمات.
وفي حال تصاعدت المواجهات لتطاول منشآت طاقة رئيسة في المنطقة، فإن التداعيات قد تكون جسيمة ليس فقط على إيران وجيرانها، بل أيضاً على المستهلكين في آسيا والأسواق العالمية عموماً.
قفزة في أسعار النفط
وقفزت أسعار النفط منذ الهجوم الإسرائيلي فجر الجمعة، ويحتمل أن يؤدي أي تصعيد جديد يبدو أنه يهدد الإمدادات العالمية إلى ارتفاع كبير في الأسعار.
ويمتد الساحل الإيراني على طول الشاطئ الشمالي لمضيق هرمز، وهو ممر مائي ضيق تمر عبره ناقلات النفط والسفن في طريقها من الخليج العربي إلى بحر العرب والمحيط الهندي، وتمتلك إيران سجلاً من التدخل في حركة الملاحة بهذه المنطقة.
وقدرت شركة "كبلر" أن 21 في المئة من صادرات الغاز الطبيعي المسال في العالم، غالبها من قطر، عبرت هذا الممر عام 2024، كذلك يمر عبر المضيق نحو 14 مليون برميل من النفط الخام يومياً، بحسب تقديرات الشركة ذاتها.
ويأتي التصعيد مع إسرائيل في توقيت حرج لصناعة النفط الإيرانية، التي تشكل ركيزة أساسية لاقتصاد البلاد، ولقدرتها على تمويل برنامجها النووي.
وقد تؤدي الضربات التي تستهدف منشآت الطاقة الإيرانية إلى تقويض أعوام من الجهود التي بذلتها طهران لإعادة بناء قدراتها الإنتاجية، بعد الانخفاض الحاد الذي شهدته بداية هذا العقد، حين انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما، والذي وافقت إيران بموجبه على قيود في برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات، بما في ذلك تلك المفروضة على مبيعات النفط.
عائدات إيران ارتفعت إلى 78 مليار دولار
ارتفع إنتاج النفط في إيران بنحو 75 في المئة ليصل إلى نحو 3.4 مليون برميل يومياً مقارنة بالمستويات المتدنية التي سجلت عام 2020، في حين تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة وشركة "كبلر" إلى أن الصادرات الإيرانية تضاعفت تقريباً ثلاث مرات منذ ذلك الحين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقدر شركة "أف جي إي (FGE) للاستشارات في مجال الطاقة أن عائدات إيران من صادرات الطاقة، بما في ذلك المنتجات النفطية والكهرباء، ارتفعت من نحو 20 مليار دولار في 2020 إلى 78 مليار دولار عام 2024، أي ما يقارب أربعة أضعاف.
لكن، حتى قبل الضربات الإسرائيلية الأخيرة، كانت إيران تواجه تحديات كبيرة، فعلى رغم امتلاكها بعضاً من أغنى احتياطات النفط والغاز في العالم، فإن استغلال هذه الثروات ظل محدوداً بسبب التوترات السياسية المستمرة مع الغرب منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.
وأدت هذه التوترات إلى فرض عقوبات وعراقيل حالت دون دخول الشركات الغربية إلى السوق الإيرانية عقوداً، كذلك فإن نقص رأس المال والخبرة التقنية أعاق تطوير حقول النفط والغاز، وقيد قدرة طهران على الوصول إلى استثمارات ضخمة في مشاريع مثل منشآت الغاز الطبيعي المسال، التي كان من الممكن أن تعزز صناعة الطاقة الإيرانية.
بنية إيران النفطية الهشة
أصبحت قطر، التي تتشارك حقول الغاز الضخمة في الخليج مع إيران، غنية بفضل تطوير مشاريع الغاز الطبيعي المسال بالتعاون مع شركاء غربيين مثل "شل" و"إكسون موبيل"، مما سمح لها بتصدير الغاز إلى أوروبا وآسيا، تكافح إيران، على رغم امتلاكها احتياطات ضخمة، لتوفير ما يكفي من الوقود ومنع انقطاعات الكهرباء.
وقال رئيس قسم الجغرافيا السياسية في شركة "إنريي أسبيكتس"، ريتشارد برونز، إن كثيراً من البنية التحتية النفطية في إيران، بما في ذلك المصافي التي تنتج البنزين وتغذي السوق المحلية قديمة، وإذا تعرضت لأضرار كبيرة، فقد تجد طهران صعوبة في الحصول على قطع غيار أو دعم دولي لإصلاحها، أكثر من غيرها من الدول المنتجة.
وتفاقم العقوبات من هذه التحديات، إذ إن عدداً محدوداً فقط من الزبائن يقبل بشراء النفط الإيراني، ومعظم صادرات الخام الإيراني تتجه إلى الصين. ووفقاً لكبير محللي النفط في شركة "كبلر"، همايون فلكشاهي، فإن المشترين الرئيسين هم مصاف صينية صغيرة تعرف باسم "أباريق الشاي"، وتستفيد من خصم كبير قد يصل إلى سبعة دولارات للبرميل.
وفي حال عجزت هذه المصافي عن الاستمرار في شراء الخام الإيراني، فستضطر إلى البحث عن بدائل، مما قد يؤدي إلى شح في الأسواق العالمية.
حتى قبل اندلاع النزاع الحالي، ظهرت مؤشرات إلى ضغوط تتعرض لها صادرات إيران النفطية، فقد شددت إدارة ترمب العقوبات بعدما خففتها إدارة بايدن إلى حد ما، وتراجعت الواردات الصينية من النفط الإيراني بصورة كبيرة في مايو (أيار) الماضي، بحسب تقديرات شركة "كبلر".
مخاوف من أزمة غاز في إسرائيل
ويقول محللون إن منشآت الطاقة الإسرائيلية قد تكون بدورها عرضة للخطر، إذ أمرت الحكومة الإسرائيلية، كإجراء احترازي، بوقف الإنتاج في منصتين بحريتين من أصل ثلاث لإنتاج الغاز الطبيعي، من بينها حقل "ليفياثان" الذي تديره شركة "شيفرون". ويستخدم الغاز لتوليد الجزء الأكبر من الكهرباء في إسرائيل، وإذا استمر التوقف، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص أو وقف صادرات الغاز إلى مصر، مما يضر بالمستهلكين هناك.
وتعتمد إسرائيل أيضاً بصورة كبيرة على النفط المستورد عبر ميناء أشكلون في جنوب البلاد، وقال فلكشاهي في هذا السياق، "البنية التحتية لديهم أيضاً هشة للغاية".